تتعمق أزمة الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة يومًا بعد يوم، بسبب ما وصفته النقابة الأكثر تمثيلية داخل المؤسسة بالتماطل الخطير لمدير الموارد البشرية بالنيابة، الذي حوّل المرفق العمومي إلى فضاء للانتظار و الارتجال بدل الانضباط و المسؤولية.
فالقرارات الإدارية المصادق عليها من طرف المجلس الإداري، و على رأسها الزيادة في الأجور بأثر رجعي منذ يناير 2025، ما تزال معلّقة بلا مبرر قانوني، رغم أن المجلس الإداري أعلى سلطة تقريرية في الشركة و قراراته ملزمة بموجب القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة. و إلى جانب ذلك، لا تزال عملية صرف الساعات الإضافية تواجه عراقيل مفتعلة، في ضرب واضح لحقوق الشغيلة.
النقابة حملت المسؤولية المباشرة لهذا الوضع إلى مدير الموارد البشرية بالنيابة، معتبرة أن ممارساته تناقض المبادئ الدستورية نفسها. فالفصل 154 من الدستور يقر بأن المرافق العمومية تُدار وفق مبادئ الشفافية والمحاسبة و الجودة، في حين يربط الفصل 36 المسؤولية بالمحاسبة. غير أن ما يجري داخل الشركة يعكس واقعًا معاكسًا تمامًا: قرارات مصادق عليها تُجمّد، حقوق مالية تُعطَّل، و حوار اجتماعي يتم تجاهله بالكامل.
بل إن الإدارة ذهبت أبعد من ذلك، حين تجاهلت مذكرة رئيس الحكومة الصادرة في 9 ماي 2025، التي دعت بشكل صريح إلى فتح حوار قطاعي داخل المؤسسات العمومية. هذا التجاهل لم يكن فقط إهانة للشغيلة، بل أيضًا استخفافًا بتوجيهات عليا صادرة عن رئاسة الحكومة.
في مواجهة هذه الفوضى، أعلنت النقابة عن تنظيم وقفة احتجاجية يوم 23 شتنبر 2025 أمام المقر المركزي للشركة، معتبرة أن التصعيد أصبح خيارًا لا مفر منه أمام سياسة الإقصاء و التماطل.
إن ما يحدث داخل الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة اليوم لا يمكن وصفه إلا بكونه فشلًا إداريًا ممنهجًا، تتحمل مسؤوليته إدارة عاجزة عن احترام التزاماتها القانونية و الدستورية. و إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فإن المؤسسة مرشحة لمزيد من التدهور، في وقت كان يفترض أن تكون نموذجًا في الحكامة الرشيدة و الإدارة الرصينة.

