الرشوة تُسقط نائبًا للوكيل العام بمدينة فاس: بين زلزال الثقة وحتمية الإصلاح

أطاحت قضية رشوة جديدة بأحد نواب الوكيل العام، بعد ضبطه في حالة تلبس مدعّمة بالأدلة، وهو ما شكّل صدمة قوية للرأي العام الوطني، وأعاد إلى الواجهة النقاش حول ظاهرة الفساد المستشري داخل بعض مفاصل العدالة.

القضاء هو الركيزة الأساسية التي تقوم عليها دولة الحق والقانون. غير أنّ تورّط مسؤول قضائي في ملف رشوة يضع المؤسسة القضائية برمتها أمام اختبار صعب، ويطرح تساؤلات عميقة حول آليات المراقبة الداخلية وسبل تعزيز النزاهة. فالمواطن البسيط الذي يطرق باب المحكمة طلبًا للإنصاف، يجد نفسه أمام شكّ قاتل: هل سيحصل على حقه وفق القانون أم وفق “ثمن” تحت الطاولة؟

الرشوة ليست مجرّد تصرف فردي معزول، بل جريمة تمسّ البنية الأخلاقية والقانونية للمجتمع. فهي تفتح الباب أمام المحاباة والتمييز، وتُضعف ثقة المواطنين في الدولة، وتزرع اليأس والإحباط. وعندما تصدر من شخصية يفترض فيها أن تكون حامية للقانون، تصبح الفضيحة مضاعفة، وتفقد المؤسسات جزءًا كبيرًا من مصداقيتها.

لقد أثبتت التجربة أن التغاضي عن مثل هذه الجرائم يفتح الباب واسعًا أمام المزيد من الانحرافات. لذلك، فإن أي تساهل في محاسبة المتورطين ـ مهما كانت مناصبهم ـ يُعتبر بمثابة ضوء أخضر لغيرهم للاستمرار في نهج الفساد. العدالة الحقيقية لا تعرف حصانة ولا استثناء، والمساواة أمام القانون هي السبيل الوحيد لإعادة الثقة.

هذه القضية يجب أن تتحول من مجرد فضيحة عابرة إلى نقطة انطلاق لإصلاح حقيقي. الإصلاح يبدأ أولًا بتعزيز الرقابة، وفرض الشفافية في مسار الملفات القضائية، واعتماد آليات تكنولوجية تحدّ من التدخل البشري الذي يفتح المجال أمام الرشوة. كما أنّ نشر تقارير دورية عن قضايا الفساد والمتابعات القضائية سيُسهم في خلق رادع نفسي قبل أن يكون قانونيًا.

إن ما وقع ليس نهاية العالم، لكنه جرس إنذار قوي. فإما أن نستوعب الدرس ونمضي نحو إصلاح جذري يعيد الثقة في العدالة، وإما أن نترك المجال للفساد ليواصل نخر مؤسساتنا من الداخل. والرهان الحقيقي اليوم هو بناء قضاء نزيه وشفاف، يكون في خدمة المواطن لا في خدمة جيوب بعض المتلاعبين .

شارك الخبر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top