السابق تدشينات وهمية لخدمة أجندات سياسية: الثقافة رهينة التحايل بجهة مراكش-آسفيفي ظل تصاعد الأصوات المطالِبة بضرورة تدبير شفاف ومعقلن للمشاريع العمومية، تتوالى المؤشرات المقلقة على تفشي العبث في تدبير الشأن الثقافي بجهة مراكش-آسفي. فقد تحولت العديد من المبادرات التي قُدمت للمواطنين كـ”منارات إشعاع ثقافي” إلى مشاريع مغشوشة تُدار خلف ستار كثيف من الغموض والتحايل، وتُستثمر أحيانًا لخدمة أجندات سياسية ضيقة، ولو على حساب المصلحة العامة.تدشين احتفالي… لكن الكهرباء مستعارة!مدينة شيشاوة تعيش هذه الأيام على وقع حملة دعائية كبيرة لتدشين مركز ثقافي طال انتظاره، وسط حضور رسمي لافت. لكن خلف الأضواء، تختفي حقائق صادمة: المركز غير مجهز بمولد كهربائي قار، رغم أنه يتوفر على قاعة مسرحية تحتاج لطاقة كهربائية عالية.الأدهى أن الوثائق الرسمية المنشورة على بوابة الصفقات العمومية تفضح “السينوغرافيا التحايلية” التي تم إعدادها لتأمين لحظة التدشين، حيث تكشف عن صفقة كراء مولد كهربائي لمدة خمسة أيام فقط، بين 28 يوليوز و1 غشت 2025، في إطار طلب سند رقم 66/DRCRMS/2025.هذا المعطى يُفهم منه أن الهدف لم يكن تجهيز المركز بشكل دائم، بل إعداد “مسرحية كهربائية مؤقتة” تخدم فقط صورة التدشين أمام الكاميرات، في محاولة مكشوفة لتقديم إنجاز غير مكتمل كمكسب سياسي، يرجّح أنه يوظَّف لصالح أحد النواب المحسوبين على حزب في الأغلبية الحكومية، والذي يسعى لتعزيز حضوره في أفق الاستحقاقات المقبلة.نزيف مالي بهذا الحجم يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات حارقة: من يتحمّل هذه الكلفة؟ وأين كانت المراقبة؟ وكيف تتحول المشاريع الثقافية، المفترض أن تكون أدوات لترسيخ الوعي والارتقاء بالمجتمع، إلى ملفات قضائية ومصادر لهدر المال العام؟بين الرؤية الغائبة والتحايل الحاضرما يجري اليوم في جهة مراكش-آسفي يكشف عن أزمة حقيقية في الرؤية والحوكمة. من غير المقبول أن تُطلق مشاريع ثقافية دون تجهيزات أساسية، أو أن تُستكمل فقط من أجل صورة إعلامية مؤقتة تخدم أجندة سياسية، بينما يظل المواطن المتضرر الأول من هذا “التدشين الوهمي”.بل إن هذا النهج يهدد بفقدان ما تبقى من ثقة بين المواطنين والمؤسسات، ويحوّل الثقافة من رافعة للتنمية إلى مناسبة للتباهي السياسي، وتصفية الحسابات داخل الأغلبية.هل من مساءلة؟في ظل هذا الوضع، تبرز الحاجة إلى تحرك عاجل من وزارة الثقافة لتقديم توضيحات صريحة. كما يبرز السؤال الأهم: هل نرى مساءلة حقيقية للمسؤولين عن هذه الخروقات؟ أم أن البيانات التبريرية ستظل الغطاء المفضل للالتفاف على جوهر الأزمة؟الواقع يفرض إعادة النظر بشكل جذري في طرق تدبير المشاريع الثقافية، وإخضاعها لمبادئ الشفافية والفعالية والمحاسبة، قبل أن يتحول المشهد الثقافي في الجهة إلى مسرح دائم للهدر والتضليل.