تتابع الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب بقلق بالغ واستنكار شديد التوجه التشريعي الخطير الذي تبنته الحكومة وصادق عليه البرلمان المغربي بغرفتيه والمتعلق بتعديل المادتين 3 و7 من قانون المسطرة الجنائية وذلك ضمن مشروع القانون 03.23.
هذا التعديل الذي لم يخضع لأي نقاش عمومي جاد ولم يتم إشراك المجتمع المدني فيه يشكل نكسة تشريعية تمس جوهر العدالة الجنائية وتفتح الباب واسعا أمام تحصين مرتكبي جرائم الفساد وعرقلة جهود النشطاء والهيئات الحقوقية والمدنية التي راكمت عبر سنوات طويلة مبادرات وشكايات ومرافعات مكنت من فتح ملفات جسيمة على المستوى القضائي والرقابي، فتمرير مقتضى المادة 3 بصيغتها المعدلة ينزع من التنظيمات المدنية صفة الطرف المؤهل للتبليغ وتحريك الدعوى العمومية في ملفات الفساد والرشوة والاختلالات المالية محصورا هذا الحق في يد النيابة العامة فقط مع ما يطرحه هذا القيد من إشكاليات تتعلق بالاستقلالية وحرية المبادرة ويقلص بشكل غير مبرر من هامش الفعل المدني في مجال الرقابة على المال العام.
فهذا التوجه مناقض صراحة لمقتضيات الفصل 12 من الدستور المغربي الذي يقر بدور المجتمع المدني في إعداد وتتبع وتقييم السياسات العمومية وخاصة تلك المتعلقة بالشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد كما يتعارض مع روح الفصل الأول من الدستور الذي يؤسس لنظام دستوري يقوم على فصل السلط وتوازنها وتعاونها وعلى الديمقراطية التشاركية ومبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة وهي مرتكزات بات واضحا أنها تتعرض اليوم لمحاولات التقييد والفرملة والتراجع.

أما المادة 7 فبقدر ما تثير من تحفظات عميقة فإنها توسع من حالات سقوط الدعوى العمومية بطريقة قد تفرغ العدالة من مضمونها خاصة في ما يتعلق بالجرائم الاقتصادية والمالية التي غالبا ما تكتشف متأخرة بسبب طبيعتها المعقدة وتشعب أطرافها، فالتنصيص على سقوط الدعوى لأسباب كالعفو أو التقادم أو وفاة المتهم دون ضمانات قوية لحماية الحق العام، يرسخ ثقافة الإفلات من العقاب ويدفع الرأي العام إلى مزيد من فقدان الثقة في المؤسسات.
وبه تعتبر الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب أن هذا المسار التشريعي لم يكن مجرد تعديل قانوني تقني، بل هو جزء من توجه مقلق يروم تقويض دور المجتمع المدني الجاد وتوفير غطاء قانوني لحماية الفساد والمفسدين، إذ بدل تقوية المنظومة القانونية وتوفير ضمانات أوسع للتصدي لجرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ يتم تفكيك المداخل القانونية التي استطاعت بها الجمعيات المساهمة في فضح عدد من الملفات الثقيلة التي أدت إلى تحريك مساطر قضائية أو إدارية أو رقابية وهو ما يعد ضربا صريحا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ولمبادئ الشفافية وحكامة التدبير العمومي المنصوص عليها في الفصل 1 والفصل 36 من الدستور المغربي، والذي يؤكد أن جرائم الفساد من قبيل الرشوة واستغلال النفوذ واختلاس المال العام والمحاباة وتضارب المصالح والانحراف في استعمال السلطة تعد من بين الجرائم التي يعاقب عليها القانون مع تحميل السلطات العمومية مسؤولية الوقاية منها وزجر مرتكبيها وليس توفير الحصانة لهم.
وفي سياق مواز تلاحظ المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب بأسف عميق تصاعد بعض الممارسات التي ترمي إلى تخويف وإرباك الفاعلين المدنيين الجادين من خلال اللجوء إلى سلوكيات تضييقية وأحيانا قضائية بدل الاستماع لما يطرحونه من معطيات موثقة ومطالب مشروعة بمحاربة الفساد وإنهاء الريع، وتبقى مثل هذه الأساليب التي تعود إلى مراحل سابقة من تاريخ البلاد تتنافى مع منطق الإصلاح والديمقراطية وتسيء إلى صورة المغرب وموقعه في التقارير الدولية المعنية بالنزاهة والحكامة، مؤكدة أن تمرير هذه التعديلات يأتي في ظرفية تتسم بتفاقم مظاهر الفساد الإداري والمالي في عدد من القطاعات الحيوية وارتفاع منسوب التبذير وسوء التدبير في مشاريع عمومية كبرى دون أن يتم تفعيل الآليات الزجرية الكفيلة بضمان المحاسبة وربط المسؤولية بمخرجات التدبير، بالإضافة أن هذا التعديل يكرس ازدواجية المعايير في التعامل مع ملفات الفساد بحيث يتم تسريع المساطر عند الحديث عن جمعيات أو فاعلين مدنيين بينما تظل الملفات المتعلقة بمسؤولين نافذين أو أصحاب مواقع القرار رهينة التأجيل أو الطمس أو التقادم وهو أمر يسيء لهيبة الدولة ويزعزع ثقة المواطنات والمواطنين في جدية المؤسسات في التصدي للفساد، إن المنظمة تعتبر أن غياب مساطر مستقلة وسريعة وفعالة لتحريك الدعوى العمومية في قضايا نهب المال العام يفتح المجال أمام الإفلات من العقاب ويجعل من شعارات محاربة الفساد مجرد واجهة خطابية لا تجد سندا في الممارسة الواقعية.
لذلك، فإن الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب تعبر عن رفضها القاطع للكيفية التي تم بها تمرير تعديل المادتين المذكورتين، وتعتبر هذا الإجراء غير ديمقراطي يخلو من المقاربة التشاركية ويمثل خطوة تشريعية تعاكس طموحات المغاربة في تعزيز دور المجتمع المدني وتثبيت آليات الرقابة المجتمعية والتأسيس لمقاربة مندمجة ومتقدمة في محاربة الفساد والرشوة والريع.
وعليه تدعو الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب كل القوى الحية من أحزاب ونقابات وهيئات مهنية وحقوقية إلى الاصطفاف دفاعا عن المكتسبات الحقوقية والقانونية والتصدي لهذا المنحى التشريعي التراجعي، والضغط من أجل مراجعة هذه المقتضيات بما يتماشى مع روح الدستور ووفاء بالتزامات المملكة المغربية في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تنص صراحة على ضرورة إشراك المجتمع المدني في التبليغ والمساءلة والدعوة للمتابعة.
كما تعلن أنها بصدد إعداد مراسلات رسمية ستوجه إلى عدد من المؤسسات الوطنية والدولية من ضمنها المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للحسابات وذلك من أجل إحاطتهم علما بالتداعيات السلبية على الرقابة المدنية على المال العام.
وختاما فإن الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب تؤكد أنها ستواصل أداء رسالتها في مناهضة الفساد والمطالبة بالعدالة والمحاسبة وستقف دائما إلى جانب كل من يبلغ عن الاختلالات المالية وسوء التدبير مع التشبث الثابت باستقلال القضاء ونزاهته وحياده واحترامه لدور المجتمع المدني في فضح الفساد وتخليق الحياة العامة خدمة للصالح العام وصونا لكرامة المواطن وحفاظا على المال العام.
إمضاء: عبد الرحمن خنوس الأمين العام للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب