ترحال المنتخبين… هل هو حق سياسي أم خيانة لثقة الناخبين؟

✍️رضى الملياني
الدار البيضاء، الثلاثاء 18نونبر 2025

يعد الترحال الانتخابي واحدة من أكثر الظواهر التي أثارت الجدل في المشهد السياسي المغربي خلال السنوات الأخيرة، نظرا لما يخلفه من آثار عميقة على ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة وفي جدية العملية الديمقراطية برمتها. فالمواطن يصوت على مرشح ينتمي لحزب معين ويؤمن ببرنامجه السياسي، ثم يفاجأ بعد فترة قصيرة بأن هذا المنتخب قد غير انتماءه الحزبي، لينتقل إلى حزب آخر بحثاً عن موقع أفضل أو لتسوية مصالح شخصية أو استجابة لحسابات ظرفية لا علاقة لها بمصلحة الناخبين.

هذا السلوك ينظر إليه من طرف عدد واسع من المتتبعين باعتباره ضربا لأخلاقيات العمل السياسي وعدم احترام للإرادة الشعبية التي عبرت عنها صناديق الاقتراع. كما يشكل الترحال الانتخابي عاملا رئيسيا في إرباك استقرار المجالس المنتخبة، إذ يحدث تغييرات مفاجئة في موازين القوى داخل المجالس، ويجعل التحالفات خاضعة للمصالح الضيقة وليس للبرامج التنموية أو التوجهات السياسية الواضحة. ويؤدي هذا الوضع إلى خلق حالة من عدم الانسجام داخل المؤسسات، مما ينعكس سلبا على جودة التسيير وعلى صورة العمل السياسي بشكل عام.
ورغم أن القوانين التنظيمية في المغرب حاولت وضع حد لهذه الظاهرة من خلال عقوبات تصل إلى تجريد المنتخب من مقعده إذا غادر الحزب الذي ترشح باسمه، إلا أن الترحال ما زال مستمرا بأشكال مختلفة، سواء عبر تغيير الولاءات الحزبية دون تغيير الانتماء القانوني، أو من خلال ترتيبات خلف الستار تسمح للمنتخب بالتموقع داخل حزب جديد بعد الانتخابات.

ويرى الخبراء أن معالجة هذه الظاهرة ليست مسؤولية القانون وحده، بل تتطلب إصلاحا عميقا داخل الأحزاب نفسها، عبر تعزيز الديمقراطية الداخلية، والاستماع لمنتخبيها، ومنحهم فضاءات حقيقية للتعبير والمشاركة في اتخاذ القرار، حتى لا يجدوا أنفسهم مضطرين لمغادرة أحزابهم الأصلية. كما يتحمل المنتخبون مسؤولية مباشرة في احترام الثقة التي منحها لهم المواطن، لأن الانتماء الحزبي ليس مجرد بطاقة بل التزام سياسي وأخلاقي يجب الحفاظ عليه طوال مدة الانتداب.
وفي المقابل، ينتظر المواطنون اليوم مشهدا سياسيا أكثر نضجا، يقوم على الاستقرار والالتزام، بعيدا عن منطق الترحال والمصالح الشخصية، حتى تسترجع العملية الانتخابية مصداقيتها، وتصبح المؤسسات المنتخبة قادرة على أداء دورها في خدمة التنمية وتحقيق تطلعات المواطنين. وفي النهاية، يظل الترحال الانتخابي ظاهرة خطيرة تضعف البناء الديمقراطي وتشوه صورة الفاعلين السياسيين، ولا يمكن الحد منها إلا بإرادة سياسية قوية، وقوانين أكثر صرامة، وأحزاب أكثر شفافية، ثم وعي مجتمعي رافض لكل أشكال المتاجرة بالصفة الانتخابية أو استعمالها كوسيلة للارتقاء السياسي وليس لخدمة الصالح العام.

شارك الخبر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top