✍️رضى الملياني
الدار البيضاء، الاثنين17 نونبر 2025
يشهد سوق الكراء بالمغرب حالة من الفوضى والارتباك، حيث يفرض بعض السماسرة عمولات مرتفعة وغير مبررة، تصل أحيانا إلى 100% من قيمة السومة الكرائية، ما يضاعف معاناة المواطن الباحث عن سكن مستقر. وقد امتدت هذه الظاهرة لتشمل ليس فقط المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، بل كذلك محلات البقالة والمحال التجارية التي تمارس نشاط الوساطة بشكل عشوائي، بما يخلق فوضى واضحة في السوق، والضحية في كل الحالات هو الباحث عن السكن أو الاستقرار.
دعت جمعيات حماية المستهلك بالمغرب إلى ضرورة “تحرير المواطنين من قبضة بعض ممارسات سماسرة الكراء”، مشددة على أهمية “تأطير مهنة السمسرة بشكل عادل ومنصف يحمي حقوق المستهلك”، وأكدت أن تنظيم القطاع لا يلغي حرية الأسعار ولا يمنع المهنيين من ممارسة نشاطهم، بل يضع ضوابط قانونية واضحة لحماية المستهلكين وضمان المنافسة النزيهة.
أوضح أحمد بيوض، الرئيس المؤسس لجمعية “مع المستهلكين”، أن الباحث عن الكراء يجد نفسه أمام عمولات مرتفعة جدا، خاصة في المدن الكبرى، تصل أحيانا إلى 100% من قيمة السومة الأصلية. وأضاف أن غياب إطار قانوني واضح لمهنة الوساطة يفتح الباب للفوضى والتلاعب بالأسعار، ويضع المستهلك في موقع ضعف دائم، مشددا على ضرورة وضع نسب مئوية قصوى للعمولات تكون مرنة وقابلة للتكيف حسب خصوصية المدن وتفاوت أسعار الكراء فيها.
وفي هذا الإطار، يشير بوجمعة موجي، نائب رئيس جمعية حماية المستهلك إلى أن تحديد السعر يجب أن يخضع لطبيعة الخدمة والجهد المبذول في البحث عن السكن، شرط أن يكون ذلك واضحا ومعروفا مسبقا، وليس بشكل عشوائي. وأضاف أن تشابه الأسعار أحيانا يخلق انطباعا بالتواطؤ، ما يدفع المستهلك للقبول بشروط غير منصفة، دون وجود آليات لحماية نفسه.
من جانب آخر، هناك ظاهرة قيام بعض الملاكين بتأجير محلاتهم التجارية للمكتري، هذا الاخير يقوم في غفلة بتأجير المحل لمكتري أخر وبثمن باهض دون علم الملاك وهو فعل خارج عن القانون ، ما يزيد من حالة الفوضى . هذه الممارسات تضعف الثقة في السوق العقارية، وتؤكد الحاجة الملحة لتدخل الدولة.
لهذا، يصبح من الضروري أن يتحمل السيد وزير الداخلية مسؤوليته الكاملة، بإصدار أوامر صارمة للولاة والعمال والقواد لتفعيل ومراقبة القوانين المنظمة لمهنة الوساطة. يجب التأكد من أن كل وساطة تتم من قبل سماسرة مرخصين، وأن التسعيرات عادلة وشفافة، وأن هذه المهن تلتزم بأداء الضرائب المستحقة. أما السماسرة العشوائيون، فيجب معاقبتهم وفق القانون، مع التدقيق في القرارات القضائية الصادرة بحقهم لتكون رادعة.
حماية المستهلك اليوم لا تقتصر على مراقبة الأسعار، بل تشمل ضمان شعوره بالأمان والثقة في الخدمات التي يتلقاها، وتمكينه من أداء مقابل للخدمة يشعر بالرضا عنها، دون التعرض للاستغلال أو النصب. الدولة مطالبة بالتدخل العاجل لتطبيق هذه الضوابط بشكل صارم، وإيقاف نزيف معاناة المواطنين، وإرساء قاعدة عادلة تنظم العلاقة بين السماسرة، الملاك، والمستأجرين، بما يضمن الاستقرار ويعزز العدالة في السوق.
تنظيم مهنة الوساطة العقارية، كما هو معمول به في التجربة الفرنسية، لا يعني الحد من النشاط أو منع السماسرة، بل الهدف منه حماية المواطن، وتحقيق الشفافية في الأسعار، وتشجيع المنافسة النزيهة، والحد من أي تواطؤ أو استغلال. إن تنظيم القطاع بشكل واضح سيضمن للمواطن أداء مقابل عادل للخدمة، ويحميه من الممارسات غير المشروعة، ويقوي الثقة في السوق العقارية بشكل عام.
في النهاية، الفوضى في قطاع الكراء ليست مجرد مسألة أسعار، بل مسألة حياة يومية تمس المواطن مباشرة، ومن واجب الدولة حماية حقوق المستهلكين وضمان الاستقرار في السوق، عبر تطبيق قوانين واضحة، وتفعيل مراقبة صارمة، ومعاقبة المخالفين. ويظل الهدف الأسمى هو تمكين المواطن من الاستقرار السكني، والحفاظ على التوازن بين العرض والطلب، مع تعزيز العدالة والشفافية في كل التعاملات العقارية.

