✍️رضى الملياني
الدار البيضاء، الجمعة 8 نونبر 2025
أضحت ظاهرة الفساد داخل المجالس المنتخبة من أبرز الإشكاليات البنيوية التي تعيق مسار الإصلاح الديمقراطي والتنمية الترابية بالمغرب. فحسب تقارير وزارة الداخلية، بلغ عدد المنتخبين المتابعين قضائيا أكثر من 302 منتخب، بينهم رؤساء جماعات ونواب ومستشارون، بتهم تتعلق بجرائم الأموال واستغلال النفوذ والإخلال بمبدأ المسؤولية. هذه الأرقام لا يمكن اعتبارها معزولة، بل تعبر عن عمق أزمة سياسية وأخلاقية تضرب جوهر العمل الجماعي المحلي.
لقد تحول بعض المنتخبين من ممثلين للمواطنين إلى وسطاء للمصالح الخاصة، ومن خدام للشأن العام إلى باحثين عن الامتيازات الشخصية، ما أسهم في تقويض الثقة بين المواطن والمؤسسات، وفي إضعاف الفعل الجماعي المحلي الذي يفترض أن يكون أداة لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.
إن أخطر ما في الفساد الانتخابي أنه يعيد إنتاج منطق الريع السياسي، حيث تمنح الصفقات والامتيازات وفق منطق الولاء لا الكفاءة، ويتحول القرار الجماعي إلى رهينة حسابات ضيقة، مما يفرغ الجماعات الترابية من مضمونها التنموي، ويحيلها إلى فضاءات مغلقة تدار بمنطق النفوذ والمصالح.
ويكرس غياب الصرامة في المحاسبة مناخ الإفلات من العقاب، الذي يغذي ثقافة سياسية منحرفة قائمة على التساهل والتواطؤ، بينما يكتفي جزء من الأحزاب بالصمت أو الدفاع عن فاسدين بدعوى الحفاظ على التوازنات الانتخابية. إن هذا الصمت يعد مشاركة غير مباشرة في إدامة الأزمة، وإضعافا لبنية الثقة السياسية والاجتماعية.
ولذلك، فإن مواجهة الفساد ليست خيارا أخلاقيا فحسب، بل ضرورة وطنية لضمان مصداقية المؤسسات وربط المسؤولية بالمحاسبة. فالتنمية الحقيقية لا يمكن أن تزدهر في بيئة ملوثة بالممارسات اللامسؤولة، بل تحتاج إلى نخبة مؤمنة بأن تدبير الشأن العام أمانة وليست غنيمة.
وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن الإصلاح الشامل يقتضي تفعيل الصرامة في المحاسبة وتطبيق مبدأ العدالة على الجميع دون استثناء. وينبغي أن تشمل الإجراءات الحجز على ممتلكات الفاسدين ومصادرة الثروات غير المشروعة، حتى يكون في العقوبة رادع ومثال لكل من تسول له نفسه العبث بالمال العام أو المتاجرة بالثقة الشعبية.
إن المرحلة تفرض إرادة سياسية قوية تعيد الاعتبار لهيبة المؤسسات، وتجعل من كل من يرغب في الجلوس على مقعد المسؤولية يدرك أنه أمام تكليف لا تشريف، ومسؤولية لا امتياز. فـمن لم يتعظ بمن سبقوه، ستتعظ به الأجيال اللاحقة.

