احتلال الملك العمومي بمدينة العطاوية… فوضى برعاية الصمت الرسمي

إذا كان احتلال الملك العمومي رياضة وطنية، فإن مدينة العطاوية مرشحة بقوة لاحتضان الألعاب الأولمبية في هذا المجال، وبمشاركة واسعة من المحلات التجارية، والمقاهي، والباعة الجائلين، وتحت تصفيق جمهور صامت اسمه: السلطات المختصة.
ما تعيشه العطاوية اليوم لم يعد مجرد تجاوزات موسمية أو “تسامح ظرفي”، بل تحول إلى عرض دائم بلا تذاكر، عنوانه: أرصفة محجوزة، طرقات للمشاة بالقرعة، وقانون في عطلة مفتوحة. فالرصيف، الذي وُجد أساساً لحماية الراجلين، صار سلعة نادرة، يُشاهد من بعيد ولا يُستعمل إلا بالخيال.
أصحاب المحلات، بدورهم، لم يكتفوا بالواجهة، بل وسّعوا النشاط إلى الرصيف وربما إلى نية احتلال الطريق مستقبلاً، في إطار ما يمكن تسميته بـ“التنمية التجارية الأفقية”. أما أرباب المقاهي، فقد قرروا أن الزبون لا يستمتع بقهوته إلا إذا كانت الطاولة على الرصيف، والكرسي في الشارع، والمارّ وسط السيارات. والباعة الجائلون؟ هؤلاء دخلوا المشهد كتكملة ديكور، ليُغلقوا ما تبقى من المساحات الحرة.
النتيجة؟ المواطن البسيط، الذي لم يحجز متراً مربعاً ولم يفرش بضاعته، يُجبر على السير وسط الطريق، يتفادى السيارات أكثر مما يتفادى الحفر، في تمرين يومي على الصبر وضبط الأعصاب. مشهد يُجسد مفهوم “المشي على الهامش” حرفياً، وبلا أي مجاز.
الأكثر إثارة في هذا العرض، أن كل هذا يجري أمام أعين السلطة المحلية والمجلس البلدي، دون أن يرمش جفن أو تُحرّك صافرة. لا حملات تحرير، لا محاضر، ولا حتى بلاغ يواسي الراجلين. وكأن العطاوية تُدار بنظام “دعها تمر”، أو ربما “دعها تتمدد”.
المجلس البلدي، باعتباره المسؤول الأول عن تنظيم المجال الحضري، يبدو إما عاجزاً عن فرض القانون، أو مقتنعاً بأن الرصيف عنصر ديكوري لا أكثر. وفي الحالتين، فالرسالة وصلت بوضوح: من سبق احتل، ومن احترم القانون ندم.
الخطير أن هذه الفوضى لم تعد استثناءً يُستنكر، بل أصبحت قاعدة يومية. المواطن اعتاد المشي في الطريق، والمخالف اعتاد التوسع، والقانون اعتاد الغياب. هكذا، وبهذه البساطة، يُحتل الرصيف وتُحتل معه هيبة الدولة.
إن ما يحدث في العطاوية ليس فقط احتلالاً للملك العمومي، بل احتلالٌ لحق المواطن في الأمان والكرامة والتنقل. واستمرار هذا الصمت الرسمي لا يمكن تفسيره إلا كضوء أخضر غير معلن لمزيد من الفوضى.
وعليه، فإن تحرير الملك العمومي بمدينة العطاوية لم يعد مجرد مطلب شعبي أو موضوع شكايات عابرة، بل امتحان حقيقي لمصداقية المجلس البلدي والسلطة المحلية.
فإما تدخل حازم يعيد الرصيف لأصحابه الطبيعيين، أو استمرار في الصمت يُحوّل العطاوية إلى مدينة تُدار بمنطق “كل واحد يفرش قدّ ما قدر”.

شارك الخبر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top