✍️ بقلم: رضى الملياني
الدار البيضاء، الاثنين 3 نونبر 2025
في زمن تتلاطم فيه أمواج الفوضى وتتعالى أصوات الصراعات، وتتحول فيه الخلافات البسيطة إلى حروب طاحنة تزرع الدمار والخراب، يسطع اسم الملك محمد السادس كواحة اتزان في صحراء يابسة من الحكمة.
عالم اليوم يعيش على إيقاع التوتر والاندفاع، حيث تدار الأزمات بردات الفعل لا بحسابات العقل، وحيث تستبدل لغة الحوار بمنطق القوة، فتضيع البوصلة وتُغتال الحقيقة بين ضجيج المدافع وضوضاء التصريحات.
وفي خضم هذا المشهد الملبد بالانفعالات، يبرز العاهل المغربي كقائد استثنائيّ يجسد مدرسة فريدة في فن القيادة، مدرسة عنوانها الهدوء حين يصرخ الجميع، والحكمة حين يتهوّر الآخرون.
فبينما تقام السياسة في كثير من البلدان على صناعة العدو وتغذية الكراهية لتغطية الفشل، اختار محمد السادس أن يجعل من التعقل والإنصات والحوار طريقا لبناء الجسور، لا لتكديس المتاريس، واضعاً مصلحة الشعوب المغاربية فوق كل الحسابات الضيقة والأوهام القديمة.
إن المتأمل في مسار السياسة المغربية تحت القيادة الملكية يلاحظ أن الملك محمد السادس استطاع أن يجمع بين الثبات على المبادئ والانفتاح على المستقبل، وبين الدفاع الصارم عن وحدة التراب الوطني والحرص على بناء علاقات متوازنة مع مختلف الشركاء الإقليميين والدوليين.
وفي زمنٍ تتناسل فيه الأزمات وتتعقد النزاعات، يبرهن العاهل المغربي أن القيادة ليست رفع الصوت ولا الشعارات، بل امتلاك الرؤية والهدوء وقوة الموقف.
لقد أثبت جلالة الملك مرة أخرى أنه رجل دولة استثنائي يجمع بين الحزم والحكمة، وبين الواقعية والطموح. وقد تجلّى ذلك بوضوح في تعاطيه مع الخلاف القائم مع الجارة الشقيقة الجزائر حول قضية الصحراء المغربية، إذ اختار جلالته أن يواجه حملات العداء والافتراء بصمت الكبار، وبالإيمان العميق بعدالة القضية المغربية وشرعية الموقف الوطني.
فليس من السهل أبدا أن تقابل بالحسنى من اختار مهاجمتك في عز الأزمات، أو أن ترد بالصبر على من يروج الأكاذيب ويختلق الشائعات عن “هروبك” أو “وفاتك”، لكن محمد السادس قابل كل ذلك بصمت الحكيم وثقة القائد الذي يعرف متى يتكلم ومتى يصمت، ومتى يكون الرد بالمنجزات لا بالكلمات.
وفي خطابه الأخير، عقب قرار مجلس الأمن رقم 2797 الذي جدد التأكيد على أن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، لم يختبئ جلالته خلف لغة المنتصرين أو المفردات الاستفزازية، بل خاطب الرئيس الجزائري بعبارة “الأخ الرئيس”، مؤكدا على وحدة المصير وداعيا إلى الحوار بمنطق “لا غالب ولا مغلوب”.
تلك العبارة وحدها تختصر مدرسة محمد السادس في القيادة: مدرسة تقوم على الكرامة لا الكراهية، وعلى بناء الجسور لا هدمها، وعلى خدمة الشعوب لا تغذية الصراعات.
إنها رسالة واضحة للعالم: المغرب قوي بثوابته، ثابت بمؤسساته، وواثق بعدالة قضيته.
أما خصومه، فما زالوا أسرى منطق الخرافة السياسية، يحاولون عبثا خلق عدو خارجي لتغطية فشلهم الداخلي.
لكن الواقع اليوم يفضح كل الأوهام: فبينما يرفع النظام الجزائري شعارات جوفاء عن “حق تقرير المصير”، يعيش الشعب الجزائري أوضاعاً اقتصادية خانقة، وتهدر ثرواته في تمويل كيان وهمي اسمه “البوليساريو”، بدل توجيهها للتنمية والتعليم والصحة.
لقد أحرج محمد السادس، بحكمته وهدوئه، كل الأبواق التي اعتادت التهريج والتضليل.
فبينما يصر النظام الجزائري على سياسة القطيعة والعزلة، يفتح المغرب واجهته الأطلسية على العالم، ويدعو إلى شراكات استراتيجية قائمة على قاعدة رابح – رابح واحترام السيادة الوطنية.
ويكفي أن نرى حجم المشاريع التنموية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية – من ميناء الداخلة الأطلسي العملاق إلى البنية التحتية الحديثة والمدن الذكية – لندرك أن المغرب اختار طريق البناء بدل البكاء، والعمل بدل الكلام.
ولأن القيادة الحقيقية لا تقاس بالشعارات بل بالنتائج، فقد تحول المغرب في عهد محمد السادس إلى فاعل إقليمي ودولي يحظى بالاحترام.
من إفريقيا إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية، يقدّم النموذج المغربي اليوم كمرجع في الاعتدال السياسي والدبلوماسية الهادئة.
ولعل ما يميّز السياسة الملكية هو هذا الاتزان النادر بين التمسك بالثوابت والانفتاح على الحوار، وبين الواقعية والجرأة، وبين الدفاع عن السيادة الوطنية وتغليب مصلحة الشعوب.
لقد أثبت محمد السادس للعالم أن القوة ليست في الصراخ بل في الاتزان، وأن القائد الحقيقي هو من يعرف كيف يضبط النفس في زمن الغليان، لا من يركب موجة الشعبوية ويغذي الكراهية.
إنه نموذج لقائد يتعامل مع الجغرافيا السياسية بمنطق التاريخ والمصير المشترك، لا بمنطق العداء الأعمى أو تصفية الحسابات.
اليوم، والمغرب يواصل مسيرته بثبات نحو التنمية والاستقرار، يبدو الفرق واضحا بين دولة تصنع المستقبل بعقولها وأخرى تستهلك الماضي بأوهامها.
فالمغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، يراكم الإنجازات ويعزز موقعه في الساحة الدولية، بينما يكتفي خصومه بالخطابات الفارغة والبيانات العدائية.
وهكذا، يبقى صوت الملك محمد السادس عنوانا للعقلانية والرزانة في زمن فقد فيه كثيرون البوصلة، شاهدا على أن الدبلوماسية الهادئة أقوى من ضجيج المدافع، وأن الثقة بالنفس أقوى من الشعارات الصاخبة.
إنه درس للعالم أجمع ،هكذا تدار الأزمات، وهكذا تبنى الأوطان، وهكذا ينتصر الكبار دون أن يصرخوا.
فالمغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

