الدار البيضاء :
فُجِع الوسط الرقمي المغربي، يوم أمس، بخبر وفاة المؤثرة والناشطة على تيك توك، الشابة سلمى الياكيني، التي توفيت داخل إحدى المصحات بمدينة الدار البيضاء، بعد أيام من تدهور حالتها الصحية. وبينما خيّم الحزن على محبيها ومتابعيها، انفجرت في المقابل موجة من الاتهامات والافتراضات، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، طالت مؤسسات طبية وأشخاصًا لم تثبت في حقهم أي مسؤولية مباشرة.
من بين تلك الجهات، مصحة “صوفيا كلينك” بمدينة إسطنبول التركية، التي خضعت فيها الراحلة لعملية تكميم معدة منذ ما يزيد عن ستة أشهر، باتت في قلب الاتهامات، وتم ربطها بشكل مباشر بوفاتها. غير أن الحقائق الطبية والوثائق الرسمية تكشف ما يخالف هذه الادعاءات تمامًا
بداية القصة: عملية تكميم في تركيا قبل أكثر من نصف عام
في نهاية سنة 2024، سافرت الشابة سلمى إلى إسطنبول من أجل إجراء عملية تكميم المعدة (Sleeve Gastrectomy)، داخل مصحة “صوفيا كلينك”، وذلك رغبةً منها في تغيير نمط حياتها الصحي والتغلب على مشكل السمنة، مثل آلاف الشباب العرب الذين يلجؤون لمثل هذه العمليات.
العملية أجريت في ظروف طبية عادية، وغادرت سلمى المصحة بعد أيام قليلة من الجراحة، وهي في حالة صحية مستقرة. ولم تُسجل في تلك الفترة أية مضاعفات تُذكر.
تقرير طبي مغربي يُفند الشائعات: العملية كانت ناجحة ولا علاقة لها بالوفاة
بعد عودتها إلى المغرب، قامت سلمى، بتاريخ 04 أبريل 2025، بإجراء فحص طبي دقيق داخل مصحة International Clinic بالدار البيضاء، وهو فحص دوري لمتابعة وضعها الصحي بعد عملية التكميم. التقرير، الموقع من طرف الدكتور DRAIDRY، يُعد وثيقة طبية رسمية ومرجعية موثوقة في هذا الملف.
وجاءت نتائجه كما يلي:
أبرز ما ورد في التقرير:
• تم تأكيد إجراء العملية بنجاح، بوجود أنبوب معدي ضيق ومشابك معدنية، دون أية علامات سلبية.
• غياب أي تسرب معدي أو تجمع سوائل، ما يعني أن العملية لم تكن تعاني من فشل داخلي أو مضاعفات.
• الكبد طبيعي الحجم، مع وجود تشحم كبدي منتشر (Stéatose hépatique)، وهي حالة شائعة لدى مرضى السمنة، ولا تُعد مهددة للحياة.
• المرارة مستأصلة منذ فترة، والقنوات الصفراوية طبيعية.
• الكلى، الطحال، البنكرياس، الرحم، المثانة، المبايض، الغدد، العظام… كلها في وضع طبيعي.
• عدم وجود التهابات، أورام، أو علامات على تسمم داخلي أو فشل عضوي.
الخلاصة:
التقرير أكد أن وضع سلمى بعد العملية كان مستقرًا طبيًا تمامًا، ولا توجد أي مؤشرات أو أدلة على وجود مضاعفات ناتجة عن التكميم. وبالتالي، لا علاقة لمصحة “صوفيا كلينك” بوفاتها.
مبادرة الأخ كريم (خوك الجوك): خطوة شجاعة لإظهار الحقيقة
وسط تضارب الأقوال والإشاعات، قام الأخ كريم، المعروف بلقبه “خوك الجوك”، بخطوة إنسانية وعقلانية، حيث توجه مباشرة إلى مصحة International Clinic بالدار البيضاء – وليس إلى تركيا كما تم تداوله – واطّلع على التقرير الطبي بنفسه، ثم حصل على نسخة رسمية منه.
وقد خرج بتسجيل مصور أكد فيه أن المصحة التركية لم تكن سببًا في وفاة الراحلة، وأن التقرير الطبي المغربي ينفي وجود أي تقصير أو إهمال طبي بعد العملية. هذه الخطوة لاقت إشادة واسعة من طرف الرأي العام، لكونها تستند إلى وثائق، وليس إلى الظنون والانفعالات.
يوم الوفاة: ما الذي حدث فعليًا؟
في الأيام الأخيرة، عانت سلمى من مشاكل صحية غير مرتبطة مباشرة بجهازها الهضمي. وتم نقلها على وجه السرعة إلى مصحة في الدار البيضاء، حيث فارقت الحياة رغم محاولات الطاقم الطبي إنقاذها.
مصادر مقربة تؤكد أن الوفاة لم تكن بسبب “مضاعفات فورية” أو “فشل في العملية”، بل يُرجح أنها ناتجة عن أسباب أخرى لا تزال قيد التحقيق الطبي. وإلى حدود اللحظة، لم يُصدر الطب الشرعي تقريره النهائي لتحديد السبب المباشر للوفاة.
⚖ الإشاعات والتشهير: حين تتحول المأساة إلى حملة افتراء
في خضم الحزن، لجأ البعض إلى التسرع في إطلاق الأحكام، وتوجيه اتهامات صريحة ومباشرة إلى مصحة “صوفيا كلينك” وصاحبها السيد نوفل موسى، رغم أن الوقائع الطبية لا تدعم تلك الاتهامات.
وقد صرّح السيد نوفل موسى، من جانبه، أنه يحتفظ بحقه الكامل في اللجوء إلى القضاء ومقاضاة كل من نشر أكاذيب ومزاعم لا أساس لها من الصحة، مؤكّدًا أن المصحة تحترم المعايير الطبية المعترف بها دوليًا، وأن الملف الطبي للراحلة يثبت أن العملية كانت ناجحة.
دعوة للرأي العام: دعوا الطب يقول كلمته
أمام هذا الكم الهائل من المعلومات المغلوطة، يصبح من الضروري التذكير بأن الطب هو الجهة الوحيدة المخوّلة بإثبات أسباب الوفاة، وليس المحتوى العاطفي أو التخمينات المنتشرة على المنصات الاجتماعية.
من الظلم تحميل جهة معينة مسؤولية مأساة، دون دلائل أو تقارير معتمدة. التسرع في الإدانة يُخلف آثارًا قانونية وأخلاقية خطيرة، وقد يسبب ظلمًا كبيرًا لمؤسسات أو أفراد بريئين.
الخاتمة: الرحمة لسلمى… والحقيقة أولى من العاطفة
رحلت سلمى الياكيني، لكنها تركت أثرًا كبيرًا في قلوب متابعيها. ومع أن الفقد موجع، فإن تكريمها يبدأ بالصدق واحترام الحقيقة، لا بالتشهير والتضليل.
لتكن قصتها درسًا في التعاطف الإنساني، وضبط النفس في زمن السوشيال ميديا. ولنترك للطب الشرعي الكلمة الأخيرة في تحديد الأسباب، بعيدًا عن الانفعالات، ولنتمنّ للفقيدة الرحمة ولأهلها الصبر والسلوان.
“اللهم ارحمها واغفر لها، واجعل قبرها روضة من رياض الجنة، واربط على قلب أمها وذويها ومحبيها.”
