بقلم : الملياني رضى
2025.12.6
عاد الجدل من جديد حول طريقة تدبير قطاع الأوقاف بعد التصريحات الجريئة التي أدلى بها الإدريسي، عضو المجلس العلمي المحلي بخنيفرة، والذي تحدث بصراحة غير معهودة عن وجود اختلالات وصفها بـ”الفساد” داخل بعض مصالح وزارة الأوقاف. تصريحات الرجل لم تكن مجرد رد فعل عابر، بل كانت صرخة تعكس ما أصبح يتداوله الكثير من الفاعلين الدينيين والمهتمين بالشأن المحلي حول غياب الحكامة وضعف الشفافية في تدبير عدد من الملفات التي يفترض أن تدار بأعلى درجات النزاهة والمسؤولية.
قطاع الأوقاف ليس قطاعا عاديا؛ فهو يشرف على مساجد المملكة، ويدبر آلاف الهكتارات من الأملاك الوقفية، ويتحكم في ميزانيات مهمة موجهة لخدمة الشأن الديني. وحين يخرج صوت من داخل المؤسسة الدينية نفسها ليشير إلى وجود خلل، فهذا مؤشر على أن الأمر لم يعد يحتمل الصمت. فالكلام عن الفساد داخل مؤسسة يفترض أن تكون نموذجا للطهارة المالية والأخلاقية يكشف حجم التراكمات التي ظلت تضغط في الخفاء لسنوات، ويطرح سؤالا كبيرا حول من يستفيد من استمرار الوضع على حاله.
الأئمة والوعاظ والمشتغلون في الشأن الديني لطالما تحدثوا في صمت عن غياب الإنصاف في بعض القرارات، وعن ملفات لا تدار بشكل واضح، وعن مشاريع ومساطر تبقى بعيدة عن الأعين والمحاسبة. لذلك، فإن ما قاله الإدريسي لم يكن شاذا أو معزولا، بل جاء ليعطي صوتا عاليا لما يقال همسا في العديد من المناطق. وفتح الباب أمام نقاش وطني حول ضرورة مراجعة طرق التدبير وتفعيل آليات المراقبة والمساءلة.
المغرب اليوم يعيش دينامية قوية في مجال ربط المسؤولية بالمحاسبة، ولهذا فإن قطاعا حساسا مثل الأوقاف لا يمكن أن يظل خارج دائرة التقييم والإصلاح. فالأملاك الوقفية ليست ملكا لأشخاص، بل هي أمانة في أعناق من يدبرونها، ويحق للمواطنين معرفة كيف تصرف، وكيف تدار، ومن يستفيد منها، وهل يتم ذلك وفق القانون وروح الوقف كما أرادها الواقفون.
التصريحات الأخيرة ليست اتهاما بقدر ما هي دعوة صريحة لإعادة ترتيب البيت الداخلي، وتحديث طرق العمل، ونشر تقارير شفافة حول المداخيل والمصاريف، وتعزيز الرقابة الداخلية والخارجية. فإصلاح قطاع الأوقاف لم يعد خيارا مؤجلا، بل ضرورة وطنية ملحة، خاصة حين يأتي صوت الإصلاح من داخل المؤسسة نفسها. الأوقاف مؤسسة روحية قبل أن تكون إدارية، وبالتالي فإن حماية قدسيتها لا تكون بالصمت، بل بالكشف والإصلاح ومحاسبة كل من يسيء إليها.

