مختبر السرديات ينقب في ثنايا متخيل التاريخ المنسي بالبادية.


أحلاف: 02 دجنبر 2025

حرصا على تعزيز الوعي بالذاكرة التاريخية لدى الناشئة والمهتمين، وإبراز دور المتخيل الأدبي في إحياء الذاكرة المحلية والوطنية، نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب بنمسيك، بتنسيق مع نادي المهارات الحياتية والتربية الرقمية بالثانوية التأهيلية علال بن عبد الله، أحلاف – بنسليمان – وجمعية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمؤسسة، وجمعية بنسليمان لحفظ الذاكرة والمجال، ندوة ثقافية بعنوان:”متخيل التاريخ المنسي” وقد احتضنت قاعة الأنشطة بالثانوية هذا اللقاء، يوم الثلاثاء 02 دجنبر 2025، ابتداء من الساعة الثالثة والنصف، بمشاركة الأساتذة: أحمد الناهي، عبد الله أميدي، سالم الفائدة، عبد الحميد أبو زرة، وإدريس النعيمي، وتسيير زكرياء عريف.
بعد الكلمات الافتتاحية للجهات المنظمة، استُهلت أشغال الندوة بمداخلة الأستاذ سالم الفائدة باسم مختبر السرديات، حيث أبرز سياق هذا اللقاء الذي يهدف إلى إعادة النظر في التاريخ، وكشف ما يخفيه السرد الرسمي من وقائع مهمشة، وإحياء الأصوات المنسية للفلاحين والفقراء والمهمشين، مع توسيع حدود الذاكرة الجماعية وإعادة الاعتبار للثقافة المحلية.
ثم تناول الكلمة الأستاذ عبد الله أميدي، الباحث في تاريخ بني مسكين والشاوية ورئيس مركز الأبحاث والدراسات بالشاوية والبيضاء بني مسكين، مؤكدا أهمية الرواية الشفوية بوصفها أحد أهم مصادر التاريخ، شريطة أخذها من أشخاص موثوقين وتجنب أسطرتها، لأن الكثير من المرويات تنطوي على أبعاد أسطورية بعيدة عن الواقع التاريخي. وأبرز المتدخل الدور الحاسم للرواية الشفوية في التأريخ للشاوية؛ إذ لولاها لما عرفنا الكثير عن المقاومة في هذا المجال الشاسع والخصب، مستشهدا بنماذج مثل الأحمر بن منصور والقرشي بن الرغاي، الذين نجد سيرهم في الأغنية الشعبية وحكايات الجدات، بينما يغيب ذكرهم في التاريخ الرسمي والمدرسي.
وضرب مثالا آخر بشخصية رحال الزعيم مرجحا أنه رحال المسكيني الذي كانت له علاقات بالمقاومين ورجال السياسة بين 1950 و1955، وكان يزود خلايا المقاومة بالسلاح إلى جانب محمد الزرقطوني. كما قدم أمثلة أخرى عن دور الرواية الشفوية في اكتشاف مغارة بشرية بأولاد فارس (الأرض الضبعية) تعود لقرون غابرة، وتدل على وجود الإنسان القديم بالمنطقة. كما استعرض كيف أسهمت الرواية الشفوية في كشف حقيقة بعض القصبات ببني مسكين مثل القصبة البيضاء بالبروج، التي تُرجعها المعطيات الشفوية إلى عهد السلطان العلوي مولاي إسماعيل، إضافة إلى التأكيد على أن عسكر كرينات هو نفسه جيش عبيد البخاري الذي أسسه المولى إسماعيل.
بعد ذلك، تناول الكلمة الأستاذ أحمد الناهي، المحافظ السابق لمكتبة بني خلوق وباحث في تاريخ بلاد بني مسكين والشاوية، متحدثا عن قيمة الرواية الشفوية في البحث التاريخي والاجتماعي، ومبرزا ما تختزنه من معطيات تكمل التاريخ الرسمي، نظرا لغناها مقارنة بالمصادر المكتوبة. واستعرض مثالا لشخصية دويدة بحار بن إدريس، باعتبارها شخصية أسطورية من واد زم أرخت لها الرواية الشفوية عبر فن العيطة. كما أحال على دراسة مشتركة مع عبد الله أميدي حول موضوع “الرعي والرعاة ببلاد بني مسكين كتراث ثقافي”، مبينا أن الحكايات الشعبية للرعاة تحفظ ذاكرة المأكل والمشرب والتسوق وفق فترات الرخاء والشدة، وتقدم مؤشرات اقتصادية مهمة عن تلك الفترات.
أما القاص والأديب عبد الحميد أبو زرة، فقدم مداخلته المعنونة ب “حين تستيقظ الذاكرة: تعليم التاريخ المحلي عبر القصة”، مستعرضا تجربته القصصية وكيف ألهمته حكايات جدته -باعتبارها روايات شفوية-للبحث في أحداث تاريخية مثل حرب الريف. وتوقف عند قصصه المستوحاة من تاريخ الهامش، مثل قصة: “معركة فخفاخة وسر شقائق النعمان”، مبينا أن هدف مداخلته هو إبراز دور القصة في إحياء التاريخ المحلي المنسي وتحويله إلى عنصر جذاب ومؤثر في تعليم الناشئة.
كما قدم زكرياء عريف ملخصا لمداخلة الأستاذ إدريس النعيمي-الذي تعذر عليه الحضور- وقد أشار من خلال هذا الملخص إلى أن التاريخ، وخاصة تاريخ بلدنا، مليء بالبياضات. واستعرض الباحث تجربته في سبر أغوار الصفحات الغامضة، كما فعل في كتابه “رصاصة في صدر الغزاة”، من خلال التعريف بشخصيات لم يخصص لها التاريخ الرسمي إلا سطورا قليلة. ومن خلال الذاكرة الشفوية والتخييل التاريخي، أعاد الكاتب بناء سيرة “عدجو موح ثائرة بوغافر” التي تجسد المرأة المغربية المقاومة بالكلمة والسلاح، وهي شخصية لم تُعرف تفاصيلها إلا عبر الأشعار التي خلدتها، لغياب ذكرها في المصادر الرسمية.
وفي الختام، أجمع المشاركون على أهمية هذه الندوة وما تفتحه من آفاق في كشف خبايا التاريخ من خلال مصادر أخرى بديلة، كالأدب والفنون التراثية والتخييل والحكاية الشعبية.

شارك الخبر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top