أخنوش: يطلب من المغاربة تجديد الثقة فيه لمواصلة بناء “المغرب القوي.

✍️رضى الملياني
الدار البيضاء، الجمعة 21 نونبر 2025

يطالب رئيس الحكومة، أخنوش، المغاربة بتجديد الثقة فيه، لكن السؤال الحقيقي هو: هل الثقة تمنح بالكلام، أم تنتزع بالعمل والإنجاز؟ المواطن المغربي اليوم لم يعد يكتفي بالوعود الخطابية أو الشعارات الممجوجة، بل يريد رؤية نتائج ملموسة في حياته اليومية.

ورغم كل هذه الأوضاع، يخرج رئيس الحكومة ليطلب من المواطنين تجديد الثقة فيه، في وقت يرى فيه المواطن أن الواقع لا ينسجم إطلاقا مع هذا الطلب، وأن الفجوة بين الخطاب والواقع اتسعت إلى حد يصعب تجاهله.

الغلاء الفاحش الذي يثقل كاهل الأسر، البطالة التي تستنزف طاقات الشباب، ضعف الخدمات الصحية والتعليمية، والمحسوبية التي لا تزال تعشش في بعض المؤسسات… كل هذه الملفات هي التي تحدد مصداقية أي مسؤول، لا مجرد طلب للتجديد عبر كلمات رنانة.

الثقة لا تمنح لمن يجلس على الكرسي ويطالب بها، بل لمن يثبت بالعمل أنه يستحقها. المواطن يريد أن يرى التزاما حقيقيا، محاسبة للمتقاعسين، نتائج ملموسة على الأرض، وإصلاحا حقيقيا يلامس حاجياته اليومية. وعليه، فإن التجديد الحقيقي للثقة لا يكون بالكلام، بل بالفعل، بالشفافية، بالجدية، وبتحقيق ما وعد به الشعب قبل أن يطلب منه التصويت على مزيد من التفويض. أي مسؤول لا يلمس الناس واقعهم اليومي يبقى مجرد خطاب بلا مضمون، وشعارات لا تطعم ولا تدفئ.

المغاربة اليوم يعرفون قيمة الفعل أكثر من الكلام، وهم لن يمنحوا الثقة إلا لمن يستحقها فعلا، لا لمن يطلبها فقط.

وإذا كان المواطن يبحث عن الأسباب التي تجعله مترددا في تجديد الثقة، فهي لا تحتاج إلى تفسير طويل: الأسعار ارتفعت بشكل غير مسبوق؛ من البوطاغاز إلى الكهرباء والماء، مروراً بالدقيق والزيت واللحوم الحمراء والبيضاء، وصولاً إلى المحروقات التي ألقت بظلالها على كل شيء. المواطن فقد القدرة على مسايرة الغلاء اليومي، بينما وعود التخفيف بقيت معلقة بلا أثر.

القطاع الصحي يعيش وضعا معقدا: مستشفيات تفتقر إلى التسيير الجيد، نقص مهول في الأطباء، أجهزة تشخيص غائبة، ومرضى يتنقلون بين المدن بحثا عن أبسط فحوصات. أما السكن الاقتصادي، الذي من المفترض أن يكون في متناول الطبقات الفقيرةو المتوسطة، فقد تحول إلى حلم بعيد مع الأسعار الخيالية التي عرفتها السوق العقارية.

التعليم، بدوره، يعاني من اكتظاظ، خصاص، وضعف في الجودة، ما أجبر الأسر على اللجوء للمدارس الخاصة رغم ظروفها المادية الصعبة. وفي القرى، الفلاح الصغير ترك وحيدا في مواجهة غلاء الأعلاف وارتفاع تكاليف الإنتاج، ما أدى إلى هجرة قروية خانقة ساهمت في تضخم المدن وتراجع جودة العيش.

أما أسعار الخضر، فقد أصبحت نارا تلتهم جيوب الفئات الهشة، والأسماك—خصوصا السردين الذي كان رمزا للوجبة الشعبية—ارتفع ثمنه من 3 دراهم للكيلوغرام إلى ما بين 20 و30 درهما، رغم أن المغرب بلد بحري بامتياز! هذه المفارقة تلخص حجم الاختلال.

وفي قلب هذا المشهد الاجتماعي المتدهور، برزت خلال سنة 2025 ظاهرة مؤلمة تنخر المجتمع في صمت: قاصرون وقاصرات يجوبون الشوارع والأسواق حاملين أواني بسيطة مليئة ببعض الحلويات، بحثا عن دراهم معدودة لإعانة أسرهم. طفلات في عمر الزهور اضطررن لترك مقاعد الدراسة، ليس رغبة منهن، بل لأن الظروف الاقتصادية دفعت بهن إلى الشارع بدل القسم، إلى البيع بدل الحلم، وإلى الكدح بدل الطفولة.

هذه الظاهرة ليست مجرد مشهد عابر، بل جرس إنذار يكشف عمق الأزمة. عندما تصبح بنات الناس مجبرات على الخروج إلى الشارع لإعالة عائلاتهن، فهذا يعني أن السياسات الاجتماعية لم تنجح في حماية الفئات الهشة، وأن الأزمة الاقتصادية لم تعد رقما في التقارير، بل واقعا يفرض نفسه على أجساد القاصرين ومستقبلهم.

وفي ظل هذا الوضع، ارتفع عدد العاطلين، والمتشردين، والمتسولين، فيما أصبح الباعة الجائلون—وكثير منهم من حملة الشواهد—يفترشون الأرض بحثا عن قوت يومي يحفظ لهم كرامتهم.

هذه هي الحقيقة التي يراها المواطن أمامه يوميا، وهي التي تحدد معنى الثقة قبل أي خطاب سياسي أو طلب للتجديد. الثقة تصنع بالفعل… لا تطلب بالكلام.

شارك الخبر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top