في إطار تتبعها المستمر للمسار التشريعي الوطني، واستنادا إلى اختصاصها في الترافع من أجل حماية الحقوق والحريات المكفولة دستورا وحرصا منها على احترام المبادئ الدستورية في كل ما يصدر عن السلطة التشريعية والتنفيذية من نصوص قانونية، فإن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب عبر أمانتها العامة، تثمن القرار الجريء والمسؤول الصادر عن المحكمة الدستورية بتاريخ 1 غشت 2025 والقاضي بعدم دستورية عدد من مقتضيات مشروع قانون المسطرة المدنية المحال على أنظارها.
حيث ان هذا القرار يشكل محطة فارقة في مسار تعزيز دولة القانون والمؤسسات ويكرس مبدأ الرقابة الدستورية الفعلية على القوانين التنظيمية كما يعكس التزام المحكمة الدستورية بحماية الحقوق الأساسية للمواطنين وفي مقدمتها الحق في المحاكمة العادلة وحق الدفاع وضمان الأمن القضائي ومبدأ المساواة أمام القانون.
وقد كشفت المحكمة الدستورية من خلال قرارها عن جملة من المقتضيات القانونية التي لا تحترم مبادئ الدستور منها ما يلي:





مقتضيات تمس بالأمن القضائي وحجية الأحكام
الفصل 17 من مشروع القانون، الذي منح للنيابة العامة حق الطعن في الأحكام دون التقيد بآجال محددة، بما يخل بمبدأ استقرار الأحكام القضائية ويهدد بحالة من عدم اليقين القانوني تمس بمبدأ الأمن القضائي المنصوص عليه ضمنيًا في الدستور من خلال المبادئ العامة للمحاكمة العادلة.
مقتضيات تمس بضمانات التبليغ ومبدأ المواجهة
الفصل 84 الذي اعتبر أن تسليم الاستدعاء لأي شخص يدعي الوكالة كاف لاعتبار التبليغ صحيحا دون التحقق من صحة التمثيل القانوني مما يعرض المتقاضين للحرمان من العلم بالإجراءات وحقهم في الدفاع.
الفصل 90 الذي أقر إمكانية حضور الأطراف أو من ينوب عنهم عن بعد، دون اشتراطات تضمن المساواة التقنية والواقعية بين أطراف الدعوى، وهو ما قد يؤدي إلى الإخلال بمبدأ الحضورية وضمانات المواجهة المنصوص عليها في المواثيق الدولية.
مقتضيات تمس بمبدأ المساواة في وسائل الدفاع
- الفصلان 107 و364 اللذان حرما الدفاع من حق التعقيب على مستنتجات ومذكرات المفوض الملكي، مما يخل بمبدأ تكافؤ السلاح في الدعوى القضائية، ويشكل مسا خطيرا بحقوق الدفاع كما هو معترف بها في الفصل 120 من الدستور. مقتضيات تمس بمبدأ فصل السلط واستقلال السلطة القضائية
الفصلان 408 و410 اللذان منَحا لوزير العدل اصلاحية تقديم طلب الإحالة بسبب “التشكك المشروع” أو “تجاوز القضاة لاختصاصهم”، مما يهدد استقلال القضاء ويدخل السلطة التنفيذية في مجالات يفترض أن تبقى خاضعة لضوابط رقابة قضائية بحتة.
الفصول 288، 339، 624، و628 التي تضمنت مقتضيات غير متلائمة مع المبادئ الدستورية سواء من حيث الشكل أو الجوهر كما اعتبرتها المحكمة الدستورية مخالفة للقواعد الأساسية المنظمة للمحاكمة العادلة والحق في التقاضي.
وعليه الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب تثمن عاليا هذا القرار الدستوري، فإنها ترى فيه دليلا دامغا على وجود اختلالات عميقة في إعداد وتدبير مشاريع القوانين التنظيمية ذات الصلة بالعدالة وتؤكد أن إغفال المعايير الدستورية أو التعسف في استعمال السلطة التشريعية من شأنه أن يُفرغ المساطر القانونية من مضمونها الحقوقي.
وعلاوة على هذا تعلن الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب ما يلي:
●الإشادة بالقرار الصادر عن المحكمة الدستورية باعتباره خطوة أساسية في حماية الدستور ورد اعتبار للمبادئ الجوهرية التي تقوم عليها دولة القانون وضمانة فعلية لحقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية.
● الدعوة إلى الإحالة الفورية والوجوبية لمشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية، وذلك نظرا لطابعه التنظيمي وما يتضمنه من مقتضيات على درجة عالية من الحساسية، تمس الحريات الفردية والإجراءات الزجرية وضمانات المتهم وحقوق الدفاع.
وتنبه إلى أن عدم الإحالة يشكل إخلالا بمبدأ الرقابة القبلية المنصوص عليها في الفصل 132 من الدستور كما يعرض حقوق الأفراد لخطر التطبيق غير الدستوري.
● الدعوة إلى مراجعة منهجية إعداد مشاريع القوانين خاصة تلك المرتبطة بالعدالة والحقوق الأساسية مع إشراك فعلي وملزم لمكونات المجتمع المدني والهيئات المهنية والمؤسسات الحقوقية لضمان صياغة سليمة ومطابقة للدستور.
ختاما تؤكد الأمانة العامة للمنظمة التزامها بمواصلة الترافع الحقوقي والمؤسساتي من أجل تعزيز الضمانات الدستورية في مجال التشريع والعمل على تقوية دور القضاء في حماية الحقوق وضمان التوازن بين السلط معبرة عن استعدادها الدائم لتقديم مذكرات رأي واستشارات قانونية في إطار الحوار المؤسساتي من أجل تجويد القوانين التنظيمية والمسطرية بما يخدم العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
فاحترام الدستور يجب ان يكون منهجية حاكمة لكل عملية تشريعية خاصة في المجالات المرتبطة مباشرة بحريات المواطنين وحقوقهم الأساسية، وإن أي تغافل عن هذه المبادئ سواء عن قصد أو عن جهل هو انتكاسة تمس جوهر دولة الحق والقانون.
لذلك فإن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب تدعو جميع السلطات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها الدستورية والأخلاقية في صيانة النصوص القانونية من كل خرق أو انحراف تشريعي.
إمضاء: عبد الرحمن خنوس الأمين العام للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب