عندما تزور منطقة أيت بوكماز، إحدى قبائل الأطلس الكبير، تلمس فرقًا واضحًا في الوعي الجماعي لدى السكان. هناك، يُفكر الناس بمنطق الأولويات، ويعرفون جيدًا أن التنمية لا تأتي عبر مهرجانات تُنفق فيها أموال طائلة، بينما أطفالهم يدرسون في أقسام مهترئة، ومرضاهم يُنقلون فوق البغال لغياب سيارات الإسعاف.
في أيت بوكماز، لن تجد المهرجانات “تُزغرد” في عز الأزمات. الناس هناك يرفضون أن يُضحك عليهم بشيء اسمه “التنشيط الثقافي” بينما تنقصهم أبسط مقومات العيش الكريم. وعي نادر في مغرب الهامش، حيث اختار هؤلاء أن يُطالبوا أولًا بمستوصف، بطريق، بمدرسة، بشغل، ثم يمكن أن يأتي الحديث عن الرقص والغناء لاحقًا.
لكن حين نتجه جنوبًا نحو الأطلس الصغير، وخصوصًا نحو قبائل مثل إحاحان، إداوتنان، أيت رخاء، أيت أحمد، وغيرها في نواحي تزنيت، نجد واقعًا مختلفًا. معاناة يومية: مستوصفات دون تجهيز، طرق مهترئة، عطالة خانقة، مدارس شبه مهجورة… ومع ذلك، ما إن يُقام مهرجان في القرية حتى تجد الجميع هناك، أطفالًا وشيوخًا، يصفقون ويهللون، وكأن لا أزمة في الأفق.
تدخل سوق إيموزار نواحي أكادير، خاصة عند باعة الدجاج، فتشتم رائحة “إراران” (ماء الدجاج الفاسد)، وتكاد تتقيأ من قذارة المكان. مشهد يُلخص الوضع: فقر، انعدام للنظافة، وغياب للمراقبة، لكن لا أحد يحتج، لا أحد يرفض، لا أحد يربط بين هذه الأوضاع والفساد وسوء التسيير.
النتيجة؟ وعي متدنٍ، وأمية ليست فقط في القراءة والكتابة، بل في فهم الواقع، في ترتيب الأولويات، في الوعي السياسي والاجتماعي. حتى من يُسمّون “مثقفين” أو “فاعلين جمعويين” في هذه المناطق، كثيرٌ منهم لا يرَون أي تناقض بين المشاركة في مهرجان بآلاف الدراهم وبين مستوصف دون دواء على بُعد خطوات.
لسنا ضد الثقافة، ولا ضد الفرح، لكننا مع الفرح الذي يأتي بعد الكرامة، بعد الصحة، بعد التعليم. الفرح لا يكون صادقًا في وجه الجوع، ولا في ظل الظلم. والوعي هو أن نعرف متى نفرح، ولماذا، ومع من !

بقلم : ميلود ابن طيفور

