بقلم : الملياني رضى 2025.12.4يمنح المواطن صوته في الانتخابات وهو يحمل أملا كبيرا في أن يجد من يمثله بصدق، ويرفع عنه معاناته، ويحمل همومه إلى مؤسسات القرار. فالثقة التي يضعها الشعب في المنتخبين ليست مجرد ورقة في صندوق، بل هي تفويض أخلاقي وسياسي لخدمة الصالح العام. غير أن الواقع يكشف في كثير من الأحيان صورة مغايرة تمامًا لهذه التوقعات.بعد وصول بعض المنتخبين إلى مناصبهم، تتغير ملامح الخطاب وتتلاشى الوعود التي أغرقوا بها الشارع خلال حملاتهم الانتخابية. يتحول الاهتمام من قضايا الناس إلى قضايا شخصية، ومن خدمة المواطنين إلى خدمة المصالح الخاصة، وكأن السلطة لم تكن وسيلة للتغيير، بل غنيمة تم الحصول عليها.ومع مرور الوقت، يكتشف المواطن أن أولئك الذين اعتبرهم سفراء لقضاياه قد أصبحوا يتمتعون بالحصانة والامتيازات والألقاب، ويركبون سيارات فاخرة ممولة من مال الشعب، بينما يبقى هو ساكنا في حي شعبي تغرقه الحفر والأزبال وروائح مياه الصرف الصحي. يعيش بين جدران تتصدّع يومًا بعد يوم، فيما تتواصل معاناته اليومية بلا تغيير: أسعار ترتفع بلا حدود، وخدمات أساسية تتدهور، وبنية تحتية تتهالك، ووعود كانت بالأمس مصدر أمل، تحولت اليوم إلى مصدر خيبة وإحباط.المؤلم في هذا المشهد أن المنتخب، الذي كان بالأمس يتجول بين الأزقة بحثا عن الأصوات، أصبح اليوم يعيش في دائرة من الامتيازات تحميه السلطة وتبعده عن واقع المواطنين. أما أولئك الذين صوتوا له، فما زالوا يواجهون نفس المعاناة، ونفس الإقصاء، ونفس الإهمال.ورغم هذا الواقع المظلم، تبقى إمكانية التغيير قائمة. فالمحاسبة لا تبدأ فقط بعد ظهور الفساد، بل تبدأ من لحظة اختيار المرشح. يحتاج المواطن إلى وعي سياسي يحضنه من الخطاب الشعبوي، وإلى مراقبة أداء المسؤولين، وإلى المطالبة بحقوقه بطرق قانونية وحضارية. كما تحتاج الدولة إلى آليات صارمة تعيد للانتخابات هيبتها، وتجعل من المسؤولية منصبًا للعمل لا وسيلة للامتياز.إن الديمقراطية ليست صندوق اقتراع فقط، بل هي منظومة من الوعي والمساءلة والمتابعة. وإذا كان بعض المنتخبين قد خذلوا الشعب، فإنّ الشعب لا يجب أن يخذل نفسه مرة أخرى. فالتغيير الحقيقي يبدأ من المواطن، ومن قوة صوته حين يكون صادقًا وواعيًا ومسؤولا. …….يتبع

