✍️رضى الملياني
الدار البيضاء، 2025.12.2

لم يكن ما وقع داخل مجلس النواب هذا الإثنين مجرد لحظة عابرة في جلسة أسئلة شفوية، بل كان مشهداً مكثفاً كشف هشاشة الخطاب السياسي عندما يفقد المسؤول توازنه أمام نقاش حساس. فالجلسة التي بدأت بسؤال روتيني حول تعديلات قانون مهنة العدول سرعان ما تحولت إلى مواجهة كلامية غير متوقعة، بعد أن جاء رد وزير العدل بنبرة متوترة حين قال إنه لا يدري إن كان من الضروري أن يجيب الآن، مضيفاً أن النقاش سيتم لاحقاً داخل اللجنة. عبارة بسيطة، لكنها حملت نبرة انزعاج واضحة، وفتحت الباب أمام توتر أكبر.
الشرارة التي أشعلت الأجواء جاءت عندما خاطب الوزير النائبة المتدخلة بعبارة لم تمر مرور الكرام: “لا يعقل أن تقرأي علينا بيان مجلس قيادة الثورة قبل قراءة القانون.” كانت الجملة كافية لقلب القاعة رأسا على عقب. فقد اعتبرها نواب العدالة والتنمية إساءة تتجاوز حدود اللياقة البرلمانية، وطالبوا بسحبها من المحضر، بينما نبه عبد الصمد حيكر إلى ضرورة احترام المؤسسة، وأكد الإبراهيمي أن الوزير ابتعد عن مضمون السؤال الأصلي. لكن وهبي تمسّك بموقفه، معتبراً أن التعقيب كان ذا طابع سياسي، ومن الطبيعي أن يكون الرد بنفس الحدة.
ومع تمسك كل طرف بموقفه، ارتفع التوتر داخل القاعة بشكل سريع، وتدخل رئيس الجلسة إدريس الشطيبي لتهدئة الوضع، إلا أن تدخله لم يزد الأمور إلا تعقيداً بعد رفضه منح الكلمة لبعض النواب. ارتفعت الأصوات، وتعالت الاحتجاجات، قبل أن يضطر الأعوان للتدخل لإعادة النظام، لينتهي المشهد بتعليق الجلسة مؤقتاً وسط فوضى واضحة.
غير أن اللحظة الأكثر دلالة لم تُعرض على الكاميرات. فقد اضطر وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت إلى التدخل شخصياً لتهدئة الأجواء ومرافقة وزير العدل خارج القاعة، وهي خطوة غير معهودة في الجلسات البرلمانية تكشف أن التوتر تجاوز مجرد جدل سياسي إلى مستوى يتطلب تدخلاً وزارياً استثنائياً. وبعد دقائق، عاد وهبي إلى القاعة بنبرة أكثر هدوءاً، لكن ما وقع كان قد رسم صورة واضحة لحالة الاحتقان داخل البرلمان.
فالواقعة لم تكن مجرد انزلاق لفظي بقدر ما كانت مرآة تعكس العديد من الاختلالات: خطاب حكومي يختلّ توازنه بسهولة، جلسة برلمانية تخرج عن السيطرة بمجرد ارتفاع النبرة، وعلاقة بين الأغلبية والمعارضة باتت قابلة للاشتعال عند أول كلمة غير محسوبة. لقد كشفت هذه اللحظة أن المؤسسة التشريعية تحتاج إلى قدر أكبر من الانضباط والرصانة، وأن لغة السياسة ليست ساحة للمزايدات اللحظية، بل مسؤولية تقتضي اختيار الكلمات بعناية، لأن كلمة واحدة قد تكشف هشاشة كاملة يخفيها الصمت البرلماني طويلاً.
